رؤية جديدة السودان

رؤية جديدة السودان

قناة رؤية جديدة
أهم الأخبار

”الطيب قسم السيد” يكتب:- شؤون وشجون المزارعون فئة مبدعة وقوم مبادرون

(2)

كنت قد فصلت في مقال سابق، أن فترة الحرب التي امتدت وتمددت محاورها وتعددت ،، أتاحت لي عبر موجات نزوح مركبة،، مناخا مواتيا للتأمل والتحليل واجترار العديد من المواقف والمشاهد اللافتة والمهمة بدءا بالمغادرة القسرية الأولى من منزلنا بالحلفاية حي الريان (اللاسلكي) جنوب كبري الحلفاية، إلى الجيلي شمال الخرطوم، ومنها الى ود مدني، ومن ود مدني إلى منطقتنا

جنوب الجزيرة حيث قريتنا الوادعة (قندال) التي يحضنها النيل الأزرق الذي ياخذ عندها هيئة (حدوة الحصان) فيمر على يمينها وشرقها ويسارها.. ثم منها إلى القضارف التي استقر بنا الحال فيها الآن.. وما اطيبها من دار وما أروعها من مقام في قريتنا الساحرة بخضرة مزارعها وطيبات جنائنها وخيرات جروفها و(بلداتها) بكسر الباء،، وجزرها، ورمالها،، وعراقة تاريخها،، سعدت وافراد أسرتي الصغيرة، بقضاء ايام خصبة سعيدة.

كيف لا وقندال مسقط راسي ومهد نشاتي وبيئة ترعرعي، كانت (مكرمة) الملك بادي الخامس احد ملوك السلطنة الزرقاء، لجدنا، مؤسسها النور قندلاوي، نظير اخلاصه في عمله و أمانته.. وقد عين في عهد سلطنة الفونج مشرفا على مشرع (ودالعباس قندال) بجمع وتوريد عائدات المشرع الذي كان معبرا للناس والانعام بين ضفتي النيل الأزرق الغربية والشرقية.

أعود لأقول وانا فخور ومزهو بتلك الأيام.،، إن فترة إقامتي بقريتنا قندال ،، التي قطعها علينا عنوة.. غدر وظلم وسفور الجنجويد،،هي الأطول ..ولكنها كانت الأمتع والأخصب بين موجات نزوحي الأربع،،إذ إن العودة لأيام الطفولة وذكريات الصبا، بين الأهل في جنوب الجزيرة،، لها طعمها ومذاقها الخاص...

فتلكم المنطقة التي عرفت بقياداتها الضليعة المخلصة، لها باعها المميز في حركة ومسار الحياة السودانية بضروبها كافة، سواء كان ذلك على الصعد المحلية،، او بمجال العمل العام، المرتبط بقضايا الناس عامة،، وشؤون الزراعة و المزارعين بشكل خاص.

كانت قندال البلدة العريقة الأكثر إلهاما، والأزهى إمتاعا لي باسترجاع ذكريات غالية حبيبة موحية وَمدهشة،، أقر واعترف بانها شكلت من قبل،، لبنات بناء اتجاهات ميولي واهتماماتي المهنية و الإبداعية إن وجدت.

لقد كنا نسمع ونحن في مقتبل أعمارنا العبارات التي توحي لنا ببداية موسم الإنتاج الزراعي، التي كان لحلولها إشارات وعلامات،، من بينها بدء صرف سلفيات التحضير التي يستعين بها المزارعون في ختم عمليات إزالة مخلفات الموسم المنقضي إستعدادا للموسم المقبل، وابرزها يتم في خواتيم شهر مايو وبداية شهر يونيو،، كقلع سيقان القطن، ولمها وحرقها،، ثم كنس مخلفات الحشائش والمحاصيل الأخرى التي يتم جمعها وحرقها أيضا. وإطراد حركة مفتشي الغيط لتوزيع وصولات الإستلام.. والاخيرة كانت عبارة متداولة في مثل تلك الأثناء يتوقف عليها صرف السلفيات والأرباح للمزارعين.

في منطقتنا جنوب الجزيرة برزت على مر العقود، أسماء رموز وطنية عزيزة كانت لها منافحاتها،، واسهامها المتجرد لصالح المنطقة والمزارعين
والوطن والمواطنين.
من هؤلاء سمعنا بعمنا (الفارس) المنافح المرحوم الحموري،و المرحوم التوم هجو، وإبراهيم التوم،، من ديم النشايخة. والحاج ابراهيم الطاهر،، والحاج محمدودفع الله، ومحمد صالح موسى، من قرية فارس.وقرانا في جنوب الجزيرة للخق،، في مقامات العديد من مدن السودان.. ومن أعيان أهلنا في تلك المنطقة، القطب الاتحادي الشهير هجو سليمان،، وشيخ الضاوي، وعلى ابوسوقي من ود الحداد.

وبشير جبارة وحامد بلول من الحاج عبد الله.. وآدم دفع الله، واحمد عباس، وعبد الله عتمان من قندال.. وجسن نصطفي، والحاج حميد من المدينة عرب، واقرانهم من الدومة،و الدوحة، وفحل، و والشكابة والدنيقلة وسمتبار، والبرياب والعقدة وود الهندي،، واب قمري والحوش وأم تريبات والبيلاوي.. وودديومة.. وغيرها من مناطق جنوب الجزيرة،، الغنية بانتاجها ومروءة اهلها.

إن أبرز ماتعلمناه من آبائنا المزارعين،، في ايام صبانا،، حفظهم لسير بعضهم.. عمنا الراحل الأمين أحمد الفكي رحنه الله،، الأمين العام الأسبق لإتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل، لدورات عديدة متتالية،،

كان يحدثنا عن تلك القيادات.. وكنت قد استضفته قبل أعوام في حلقة تلفزيونية خاصة في احدي المناسبات الوطنية برفقة الزميل المخرج، شكر الله خلف الله،، ومعه اللواء عبد الحي محجوب، أول حاكم للإقليم الأوسط بعد البيان الأول لإنقلاب الإنقاذ وكان قد رافقنا في تلك الحلقة،، مطرب الجزيرة الراحل الأمين عبد الغفار.

وحكي لي شيخ الامين،، عن أول دعم معنوي قدمه المزارعون للإنقاذ في يومها الأول وساعاتها الأولي بالغاء اضرابهم المعلن في اليوم الاول من شهر يوليو من العام ١٩٨٩م.

ثم حدثنا عن الحاج (ادم دفع الله) رحمه الله،، وهو من قريتنا (قندال) بجنوب الجزيرة، الذي قدم باصرار مقترح تغيير اسم كلية ناصر الجامعية الي كلية الجزيرة الجامعية مشترطا وبشجاعة امام الرئيس الأسبق، جعفر نميري،، ان يرتبط دعم المزارعين لإنشاء الكلية وقتها،، بتغيير اسمها من كلية ناصر الجامعية إلى كلية الجزيرة الجامعية،، التي صارت فيما بعد جامعة الجزيرة الحالية.

تم ذلك والرواية لعمنا الراحل شيخ الأمين،، في لقاء جمع الرئيس الأسبق جعفر نميري رحمه الله ،، بقيادات المزارعين بدارهم بشارع التيل بودمدني ، للتبرع لدعم تشييد الكلية.

وفي القضارف التي حظيت بالعمل وسط اهلها،، لما زاد عن السبع سنوات.. شهدت العديد من المبادرات لمزارعيها وان انسى لن أنس تلك البراءة التي قدمها المزارع من منطقة ام شجرة،، (الحاج عثمان آدم) رحمه الله، الذي اكتشف حزمة تقنية بعنوان (السرولة) وهي تطوير عملية الشلخ

اليدوية،، إلى إستخدام الآلة في تنفيذها في مرحلة معينة من نمو محصول الذرة هي مرحلة (الصقور) التي تسبق مرحلة اللتيبة.. وقد منح بموجبها درجة الدكتوراة الفخرية من جامعة القضارف ايام مديرها بروفسور ابراهيم الكردي وتم إعتماد تجربته،، كحزمة تقنية في هيئات ومراكز البحوث المعنية بتطوير الزراعة على امتداد البلاد.

أقول قولي هذا،، وأناشد القائمين على أمر الزراعة وزيادة الانتاج ورفع الإنتاجية،، بالقول:- عليكم باستصحاب تجارب المزارعين والإستماع لأفكار ذوي التجربة و المخضرمين منهم،، وانتم تخططون لإعتماد اي سياسات او استراتيجيات جديدة، تحكم علاقة الإنتاج بينهم، ومن يتولى عمليات تمويل الإنتاج من مؤسسات و بنوك، اوشركات او بيوت خبرة وطنية او أجنبية.. فالمزارعون أيها السادة،، وعلى مر التاريخ.. فئة مبدعة وقوم مبادرون.