رؤية جديدة السودان

”مرام البشير” تكتب: أنقذوا الفاشر

-

على الرغم من تاريخنا المظلم مع الولايات المتحدة الأمريكية إلا أننا كسودانيين كنا نأمل أن تخيب الولايات المتحدة الأمريكية هذه المرة ظننا فيها وذلك عبر موافقتها على المطالبات المشروعة لوفد الحكومة السودانية خلال مشاورات جدة، لا سيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية هى صاحبة الدعوة ولها مطلق الحرية في أن تتيح للحكومة السودانية والتى تعتبر الطرف المعترف به أمميا ودوليا والذي يمثل صوت السودانيين أن تضع شروطها ومحاذيرها حول هذه المحادثات، ولكن كما عودتنا الولايات المتحدة الأمريكية في تعاطيها مع السودان فهى دائما ما تصنع مسرحيات وأفلام تسعي لتنفيذها وإخراجها على قرار أفلام هوليوود .

هذه العقلية الهوليوودية التي تسيطر على إنسان أمريكا مهما تعاقبت الحكومات أنتجت لنا اليوم مسرحية شيقة أكتشفنا بعض تفاصيلها من خلال مؤشرين أولهما ماحدث في مشاورات جدة، وثانيهما خطاب الهالك حميدتي المتلفز على الشاشات .

بدأت في اعتقادي هذه المسرحية منذ شهر فبراير من العام الجاري عبر إحدي تصريحات المتمرد حميدتي والتي ذكر فيها "أنه ستكون هناك مفاوضات للسلام في جنيف وسوف يشارك فيها الدعم السريع لحرصه على إنهاء المعاناة الإنسانية في دارفور والولايات الأخري".

وفي ذلك الوقت لم يعلن عن هذه المحادثات لذلك تبين لنا جليا أن مفاوضات جنيف ماهي إلا مسرحية معدة مسبقا للتدخل في دارفور تحت حجة المساعدات الإنسانية، المخرج لهذه المسرحية للأسف هي الولايات المتحدة الأمريكية.

التحضير لهذه المسرحية بدأ من خلال أبواق المليشيا السياسية (تقدم) والحملة الإعلامية المنظمة التي أطلقوها للتركيز على القضية الإنسانية وإظهار الحوجة الشديدة لعقد مفاوضات ذات طابع إنساني، لتتقدم مخرجة المسرحية الولايات المتحدة الأمريكية كمنقذ حقيقي للشعب السوداني من المجاعة التي توشك أن تفتك بما تبقي منه ، وتقدم دعوات لكل من المليشيا والجيش السوداني بداية ثم الحكومة السودانية بعد التعديل على الدعوة.

ثم تأتي مشاورات جدة للكشف لنا عن تفاصيل أكثر عن هذه المسرحية أبرزها التخطيط لدفع وفد الحكومة السودانية لرفض المشاركة في المحادثات وذلك عبر رفض تنفيذ كل المطالبات والشروط المشروعة له ومنها :

* رفض إلزام المليشيا بتنفيذ مخرجات إعلان جدة ، وعدم بناء مفاوضات جنيف على ماتم الإتفاق عليه في جدة، بمعنى آخر إلغاء منبر جدة.
* رفض إخراج الإمارات من المفاوضات بصفتها مراقب ، وبالتالي نسف دورها البارز في إشعال وتأجيج الحرب .
* عدم القبول بالوفد الذي أقرته قيادة البلاد والتحجج بضرورة مشاركة وفد من القوات المسلحة فقط .
* إستمرار الهجمات من قبل المليشيا على المرافق العامة والمستشفيات بالاضافة للهجوم الغادر على مدينة الفاشر صبيحة مشاورات جدة ، مما يدفع بوفد الحكومة إعلان عدم رغبته المشاركة في اى محادثات مع المليشيا التي تنتهك حقوق الأنسان على مرمى ومسمع من العالم أجمع.

كل هذه المطالبات والشروط المهمة تم الكشف عنها بواسطة رئيس الوفد الذي كان كريما في تمليك الشعب السوداني مادار في جدة ، والذي أوضح المبررات المنطقية لعدم مشاركة الحكومة في جنيف والتي ارتبطت بعدم تنفيذ الجانب الأمريكي لهذه المطالبات.

من جهة أخرى دعونا ننظر للمؤشر الثاني وهو سرعة ظهور الهالك المتمرد حميدتي على شاشات التلفاز، والتي جاءت مباشرة بعد أن تأكدت دويلة الإمارات التي تشرف على تشغيل هذا الروبوت أن الحكومة السودانية لن تشارك في محادثات جنيف لتبدأ أولى فصول هذه المسرحية بظهور الهالك للعيان على قرار مسرحية الإيغاد وتقدم التي ظهر فيهما سابقا، ومن المتوقع أن يكتمل المشهد بترأسه وفد المليشيا في جنيف ليتم التسويق له دوليا على أنه الطرف الحادب على مصلحة السودانيين ويملك إرادة حقيقية في إنهاء معاناة أهل دارفور عبر إيصال المساعدات الإنسانية.

ثم تتحول المسرحية من محادثات لوقف الحرب إلى محادثات حول كيفية إنهاء المجاعة في السودان وخاصة دارفور ، ليبدأ الشركاء الدوليين والإقليميين في وضع كافة الإمكانيات تحت تصرف مليشيا الدعم السريع وإمدادها بكل ما تحتاج له حتى الطائرات وهو ماذكره مسؤول بالبنتاغون لقناة إسكاي نيوز بأن "الخطط جاهزة لتنفيذ عمليات إغاثة إنسانية فوق مناطق سودانية" وكلمة فوق تعني أنها ستكون عبر طائرات وبالتأكيد هذه الطائرات لن تكون طائرات الجيش السوداني، وإنما ستكون طائرات الناتو أو سلاح الجو الأمريكي أو طائرات الأمم المتحدة أو غيرهم لتتمكن الولايات المتحدة الأمريكية وربائبها أخيرا من السيطرة على الفاشر عبر نسفها بالطيران تماما تحت حجة توصيل المساعدات الإنسانية.

لذلك نقولها ومن باب الأمانة التاريخية أنقذوا الفاشر من هذه المسرحيات المعدة مسبقا للسيطرة علي آخر فرقة للجيش السوداني في دارفور، يجب أن تتحرك الحكومة منذ الآن دوليا ودبلوماسيا للتعريف بمخططات الولايات المتحدة الأمريكية التى تريد تحقيقها من وراء محادثات جنيف، وعرقلة هذه المخططات عبر الوصول لتحالفات دولية تمنع تحليق أى طيران في سماء دارفور سوى الطيران الحربي السوداني