د. ”فضل الله أحمد عبدالله” يكتب: ”نافع علي نافع”.. القمة الشاهقة والسهل المنبسط
"رجل يجري بالحق ولا يجري الباطل عليه"
إن معرفة أقدار الرجال حق مكتوب على رقاب العباد ، فإذا ما تحدثوا به ، كان مثار الفخر والإعتزاز والسؤدد .
نافع علي نافع أسم يتراءى للمرء كأنه كنية توائم حياة المسمى وطبعه وخصاله الجمة .
هو ذاك معناه حقا كما كتبنا عنه وسما في العنوان أعلاه .
وما أدري سر تذكري، الآن بسيرة أبو الطيب المتنبي الشاعر العربي القديم الذي شغل النقاد مذ عهده ذاك، وحتى عهد الناس هذا، إذ عرف أنه كان شاعرا مفلقا شديد المعارضة، راجح العقل، عظيم الذكاء ، ذو أنفة وشموخ لا ينال منه خصم مهما بلغ من الحيل والدهاء، جعل من الجسارة لذاته سجية، بها وضع لنفسه هدفا فوق الإحتمال:
" أريد من زمنـي ذا أن يبلّغني ... ما ليس يبلغه من نفسه الزمن "
رأى النقاد: إن من أهمّ المظاهر التي تتجلّى من خلالها جسارة أبي الطيب سمة التمرّد والتغنّي والتسامي والتعشق للقوّة في كلّ مظاهر الكون بما يجعل من الإنسان يستمدّ كل معاني وجوده من هذه السّمات .ولعمري تلك صورة الدكتور نافع علي نافع ، وطابع شخصيته التي هي صنو الشجاعة ، وليس ذلك فحسب ، بل هي نشيد روحه ممتثلا القول نفسه :
صحب الناس قبلنا ذا الزَّمـانا
وعنـاهم من شأنه ما عنـانا
وتولـّوا بغصّـة كلّـُهـم مـنــــه
وإن سـرّ بعـضهم أحيـانـا
ولو أن الحيـاة تبقـى لحيٍّ
لعددنـا أضلّـنـا الشـجعـانا
وإذا لم يـكن من المـوت بدٌّ
فمن العجـز أن تمـوت جبانا
حمّل الدكتور نافع نفسه أعباء الحركة الإسلامية منذ بواكير شباب عمره، وتجشم مشقات طريق الدعوة إلى الله وأبت نفسه الركون الى الراحة لأن الراحة في منظوره هي التعب السلبي ، والعكس هو الصحيح .
ولأن الغيرة على الدين اخترقت مركز حسه ، وتموضع في كيانه، إذ لم يعرف الناس الدكتور نافع علي نافع في كل مسارات حياته من صفة إلا صفة قوّة الرجال وصلابتهم وجسارتهم ، أضف إلى ذلك الذهن المتقد والعلم، وقيم الحق والخير ونبل الفوارس .
واقرأ بضع أسطر فقط من سيرته الذاتية العامرة بتجليات نبوغه الباكر:
* الاسم: نافع علي نافع أحمد
* تاريخ ومكان المولد: 1948م قرية تميد النافعاب ريفي شندي
التعليم العام :
* مدرسة تميد النافعاب الأولية .
* مدرسة شندي الريفية الوسطى .
* مدرسة وادي سيدنا الثانوية ( حصل علي الترتيب الثالث في امتحان الشهادة السودانيه على مستوى السودان ) .
التعليم العالي :
* جامعة الخرطوم كلية الزراعة تخرج بتميز في العام 1971م ( إلتحق بهيئة التدريس ) .
التعليم فوق الجامعي :
* تم ابتعاثه لنيل الشهادات العليا بالولايات المتحدة الأمريكية .
* نال درجة الماجستير ثم نال درجة دكتوراة الفلسفة في علم الوراثة ( Genetics & breeding ) من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية .
الوظائف :
* أستاذ بجامعة الخرطوم حتى انتدب في 1990م لمنصب دستوري .
المناصب والمواقع القيادية :
* شغل منصب مدير جهاز الأمن العام 1990 - 1995م.
* وزيراً للزراعة 1996م - 1999م .
* وزير ديوان الحكم الاتحادي 2001م - 2003م .
* مستشار لرئيس الجمهورية لشؤون السلام 2003 - 2005 م .
* مساعداً لرئيس الجمهورية للشؤون السياسية و التنظيمية 2005 - 2013 م .
* تقلد عدة مناصب اقليمية ممثلاً للسودان آخرها أميناً عاماً منتخباً لدورتين لمجلس الأحزاب السياسية الأفريقية 2012م - 2018 م .
الرائي بقلب مفتوح للدكتور نافع علي نافع ، يجد أنه السياسي الذي يجسد أنفة وشموخ وكبرياء السوداني أمام رغبة ثقافة الغرب الأروبي الجامحة في الهيمنة على شخصيتنا وطمسها ، وصلف الأمريكان ، ووضاعة حوارييهم وأنصارهم من أبناء بلدنا . ويمارس - نافع - ذاك الفعل الدفاعي في كل محفل ، بل وفي أعلى منصات الكلام وأكبرها في كل مكان ، يتكلم عن السودان منافحا عنه .
وإمعانا في " الرجالة " لا يقول إلا الكلمة المستسخرة في وجه كل من أراد أن ينال من هوية السودان ، أو شخصيته الثقافية - سودانيا كان ، أو جاء من تلك البلاد التي تموت من البرد حيتانها - معلنا بوضوح أن لا أحدا منهم يملأ عينه .
الدكتور نافع علي نافع ، الرجل القامة والقيمة ، يجري بالحق ولا يستطيع الباطل أن يجري مع دماء عروقه .
يملك القدرة الخارقة على الرؤية والإستبصار والنفاذ إلى الأمور . مع الفهم الكامل للثقافة الغربية بحكم دراسته وتعليمه فوق الجامعي كله في الولايات المتحدة الأمريكية وإمساكه الماهر بأدوات المقارنة الذكية بينها وبين الثقافة الإسلامية العربية .
وهو صاحب موهبة ضخمة في فن الحوار مع الآخر ، ولا نبالغ إذا وصفناها بالعبقرية ، والموهبة عندما تكون في أي إنسان هي عبء ثقيل ، فيه كثير من العنت والشقة إذ هو مجلبة لحسد الحاسدين وحقد الحاقدين ، وغيرة الأقران والصحاب من أبناء الجيل خاصة .
وإذ حمل الدكتور نافع علي نافع ذاك العبء بجلد ومصابرة في مواقع المسؤولية التي تولها في سنوات حكومة الإنقاذ ، وفي أكثر الأحايين كان نافع علي نافع يبدو ، وكأنه ينوء بهذا العبء ، ولو إستطاع أن يلقيه عن كاهله .
نجح كثيرا في مهامه التنظيمية في إدارة حزب المؤتمر الوطني وكذلك مثله في إدارة الدولة نجاحا باذخ النفع ، وكان له من أسمه نصيب .
يجمع الدكتور نافع علي نافع بين علو النفس وبساطتها . وأضف إلى ذينيك ، سماحته وصراحته ، يقول لك كلمته المغايرة مهما قسى في ذلك ، لكنه لن يضمر لك سوءا في دخيلة نفسه مطلقا ، فهو يقول كلمته ويذهب ، ويتمتع بخلق نير ووجه طلق ، مجسدا قول الرسول صل الله عليه وسلم تسليما كثيرا " أقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ، الموطؤن أكنافا الذين يألفون ويؤلفون " ..
وهو في ذلك مثله مثل أغلب أبناء نهر النيل - الأرض - الذي يبدأ من " قري " شمال الخرطوم إلى شندي ودامر المجذوب متجاوزا منحناه الجميل إلى خط حدود بلادنا مع بلاد المصب .
تلك الأرض أو الديار التي قال عنها الطيب صالح ، حيث يقف المرء في خط التماس بين الحياة والموت . ينظر وراءه فيرى الموت والفناء ، فينظر أمامه فيرى الحياة والبقاء في نيل كوثر .
ربما أودع هذا التباين الحاد سرا في النفوس وأشعل فتيلا من الإبداع ، وربما إنعكس على العواطف والأمزجة فأصبحت تتأرجح بين قمة حادة وسهل منبسط .
ودكتور نافع علي نافع نافع هو نبت هؤلاء الناس - رعاة وترابلة - تشم من ( عراريقهم ) المتشربة بإحمرار الأرض مزيحا من رائحة العرق والطين واللوبيا .
في قرية " النافعاب " حذا النهر ناحية شندي ، درة دار جعل ، ولد نافع علي نافع ، وعاش أخذ جمال أشياء النيل ، دفقه بالنفع ، صخبه هدوءه حلمه ، طفقه الهدار العارم ورائقا مثله .
أنصهرت أنفاسه ، وأنفاس أهله الذين جاؤا إلى الدنيا معطونين بماء النيل ومزاج النيل وطمي النيل ، أولئك الفارهين بسماحة ، سجاياهم ، وأفعالهم الساحرة بذلا وكرما وعطاءا .
ذلك قوام بناء شخصية الدكتور نافع علي نافع، أخذ من حكايات أهل نهر النيل التي تأخذ الناس إلى معارج عجيبة، ونهل من منابع المتصوفة وأصغى صبيا إلى همهمات أصواتهم وهم ينشدون: " طلبات المدينة مناي
قوافل درجن بي جاي "
وبهذا دخل حياة أهل السودان قائدا إسلاميا عميق النظر لا يفوته شيء من أحدوثات وأحاديث وحواديث السياسية والساسة في السودان وما يدور حوله من مكائد العدا ومؤامراتهم . وهو بينهم لا يعرف الحالة الوسط ولا لون الرماد.
ظل في سنوات الإنقاذ هو الآسر داخل أروقة الحزب وفي مجرى شرايين دماء إدارة الدولة ، وهو الأكثر ودا لحضر السودان وقراه وبواديه ، وهو الأنقى حضورا في الفيافي البعيدة ، يحدث الناس عازفا أوتار وجدانهم الجماعي ، بمودة مهيبة وتواضع وذاكرة وملاحة وعزة وكرامة ....
وكم تختلج وراء هذا السمت الهادئ ثورة البراكين إنتصارا للإسلام والمسلمين .
كما تنطوي وراء هذه البساطة عوالم وحيوات محتدمة بأنبل العواطف والمودة والسماحة، والتواضع، فهو نهر النيل كرما وبذلا إن أردت الرواء، كما هو الصخر الذي يتأبى عن النحت إن أردت الإستهانة بما يؤمن به من مبادئ وقيم وأخلاق .
نعم إن أشقى الناس في الحياة، هو من ليس له أصل يعتز به، ولا جذور تشده إلى الأرض والناس .
وما أنبل أصل دكتور نافع علي نافع وما أقوى جذوره المشدودة في تراب السودان كله ، السودان الذي له ألف لون وألف عبق ...
ولكم السلام،،
أم درمان يوم الأثنين 31 أكتوبر 2022م